فصل: قال السمرقندي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال السمرقندي:

{وَمَا كَانَ هذا القرءان أَن يفترى} يعني: لهذا القرآن مختلف {مِن دُونِ الله} تعالى.
وقال القتبي: ما كان هذا القرآن أن يضاف إلى غير الله تعالى أو يختلق، {ولكن تَصْدِيقَ الذي بَيْنَ يَدَيْهِ}؛ ولكن نزل بتصديق الذي بين يديه من التوراة والإنجيل؛ ويقال: معناه ولكن بتصديق النبي الذي أنزل القرآن بين يديه يعني: الذي هو قبل سماعكم، لأن القرآن تصديق لما جاء من أنباء الأمم السابقة وأقاصيص أنبيائهم، يعني: بيان كل شيء؛ ويقال: بيان الحلال والحرام.
{وَتَفْصِيلَ الكتاب لاَ رَيْبَ فِيهِ}، يعني: لا شك فيه عند المؤمنين إنه نزل: {مِن رَّبّ العالمين}. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْءَانُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللَّهِ} يعني أنه يختلق ويكذب.
{وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ} فيه وجهان:
أحدهما: شاهد بصدق ما تقدم من التوراة والإنجيل والزبور.
الثاني: لما بين يديه من البعث والنشور والجزاء والحساب.
ويحتمل ثالثًا: أن يكون معناه ولكن يصدقه الذي بين يديه من الكتب السالفة بما فيها من ذكره فيزول عنه الافتراء. اهـ.

.قال ابن عطية:

{وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآَنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ} هذا نفي قول من قال من قريش إن محمدًا يفتري القرآن وينسبه إلى الله تعالى، وعبر عن ذلك بهذه الألفاظ التي تتضمن تشنيع قولهم وإعظام الأمر كما قال تعالى: {وما كان لنبي أن يغل} [آل عمران: 161] وكما قال حكاية عن عيسى عليه السلام {ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق} [المائدة: 116] ونحو هذا مما يعطي المعنى والقرائن والبراهين استحالته، و{يفترى} معناه: يختلق وينشأ، وكأن المرء يفريه من حديثه أي يقطعه ويسمه سمة، فهو مشتق من فريت إذا قطعت لإصلاح، و{تصديق} نصب على المصدر والعامل فيه فعل مضمر وقال الزجّاج: هو خبر كان مضمرة، والتقدير المتقدم للشيء، وقالت فرقة في هذه الآية: إن الذي بين يديه هي أشراط الساعة وما يأتي من الأمور.
قال القاضي أبو محمد: وهذا خطأ، والأمر بالعكس كتاب الله تعالى بين يدي تلك، أما أن الزجّاج تحفظ فقال: الضمير يعود على الأشراط، والتقدير ولكن تصديق الذي بين يديه القرآن.
قال القاضي أبو محمد: وهذا أيضًا قلق، وقيام البرهان على قريش حينئذ إنما كان في أن يصدق القرآن ما في التوراة والإنجيل مع أن الآتي بالقرآن ممن يقطعون أنه لم يطالع تلك الكتب ولا هي في بلده ولا في قومه، و{تفصيل الكتاب} هو تبيينه، و{لا ريب فيه} يريد هو في نفسه على هذه الحالة وإن ارتاب مبطل فذلك لا يلتفت إليه. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَمَا كَانَ هذا القرآن أَن يفترى مِن دُونِ الله}
{أنْ} مع {يفترى} مصدر، والمعنى: وما كان هذا القرآن افتراء؛ كما تقول: فلان يحب أن يركب، أي يحب الركوب؛ قاله الكسائي.
وقال الفراء: المعنى وما ينبغي لهذا القرآن أن يفترى؛ كقوله: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ} [آل عمران: 161] {وَمَا كَانَ المؤمنون لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً} [التوبة: 122].
وقيل: {أنْ} بمعنى اللام، تقديره: وما كان هذا القرآن ليفترى.
وقيل: بمعنى لا، أي لا يفترى.
وقيل: المعنى ما كان يتهيأ لأحد أن يأتي بمثل هذا القرآن من عند غير الله ثم ينسبُه إلى الله تعالى لإعجازه؛ لوصفه ومعانيه وتأليفه.
{ولكن تَصْدِيقَ الذي بَيْنَ يَدَيْهِ} قال الكسائي والفراء ومحمد ابن سعدان: التقدير ولكن كان تصديق؛ ويجوز عندهم الرفع بمعنى: ولكن هو تصديق.
{الذي بَيْنَ يَدَيْهِ} أي من التوراة والإنجيل وغيرهما من الكتب، فإنها قد بشّرت به فجاء مصدّقًا لها في تلك البشارة، وفي الدعاء إلى التوحيد والإيمان بالقيامة.
وقيل: المعنى ولكن تصديق النبيّ الذي بين يدي القرآن وهو محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم شاهدوه قبل أن سمعوا منه القرآن.
{وتفصيلُ} بالنصب والرفع على الوجهين المذكورين في تصديق.
والتفصيل التبيين، أي يبيّن ما في كتب الله المتقدمة.
والكتاب اسم الجنس.
وقيل: أراد بتفصيل الكتاب ما بُيِّن في القرآن من الأحكام.
{لاَ رَيْبَ فِيهِ} الهاء عائدة للقرآن، أي لا شك فيه أي في نزوله من قِبَل الله تعالى. اهـ.

.قال أبو حيان:

{وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآَنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ} لما تقدم قولهم: {ائت بقرآن غير هذا أو بدله} وكان من قولهم: إنه افتراه قال تعالى: {وما كان هذا القرآن أن يفتري} أي: ما صح، ولا استقام أن يكون هذا القرآن المعجزة مفترى.
والإشارة بهذا فيها تفخيم المشار إليه وتعظيمه، وكونه جامعًا للأوصاف التي يستحيل وجودها فيه أن يكون مفترى.
والظاهر أنّ أنْ يفتري هو خبر كان أي: افتراء، أي: ذا افتراء، أو مفترى.
ويزعم بعض النحويين أنّ أنْ هذه هي المضمرة بعد لام الجحود في قولك: ما كان زيد ليفعل، وأنه لما حذفت اللام أظهرت أنْ وأنّ اللام وأن يتعاقبان، فحيث جيء باللام لم تأت بأن بل تقدرها، وحيث حذفت اللام ظهرت أنْ.
والصحيح أنهما لا يتعاقبان، وأنه لا يجوز حذف اللام وإظهار أن إذ لم يقم دليل على ذلك.
وعلى زعم هذا الزاعم لا يكون أنْ يفتري خبرًا لكان، بل الخبر محذوف.
وأن يفترى معمول لذلك الخبر بعد إسقاط اللام، ووقعت لكنْ هنا أحسن موقع إذ كانت بين نقيضين وهما: الكذب والتصديق المتضمن الصدق، والذي بين يديه الكتب الإلهية المتقدمة قاله ابن عباس كما جاء مصدّقًا لما معكم.
وعن الزجاج الذي بين يديه أشراط الساعة، ولا يقوم البرهان على قريش إلا بتصديق القرآن ما في التوراة والإنجيل، مع أن الآتي به يقطعون أنه لم يطالع تلك الكتب ولا غيرها، ولا هي في بلده ولا قومه، لا بتصديق الاشراط، لأنهم لم يشاهدوا شيئًا منها.
وتفصيل الكتاب تبيين ما فرض وكتب فيه من الأحكام والشرائع.
وقرأ الجمهور: تصديق وتفصيل بالنصب، فخرجه الكسائي والفراء ومحمد بن سعدان والزجاج على أنه خبر كان مضمرة أي: ولكن كان تصديق أي مصدقًا ومفصلًا.
وقيل: انتصب مفعولًا من أجله، والعامل محذوف، والتقدير: ولكن أنزل للتصديق.
وقيل: انتصب على المصدر، والعامل فيه فعل محذوف.
وقرأ عيسى بن عمر: تفصيل وتصديق بالرفع، وفي يوسف خبر مبتدأ محذوف أي: ولكن هو تصديق.
كما قال الشاعر:
ولست الشاعر السفساف فيهم ** ولكن مده الحرب العوالي

أي ولكن أنا.
وزعم الفراء ومن تابعه أنّ العرب إذا قالت ولكن بالواو آثرت تشديد النون، وإذا لم تكن الواو آثرت التخفيف.
وقد جاء في السبعة مع الواو التشديد والتخفيف، ولا ريب فيه داخل في حيز الاستدراك كأنه قيل: ولكن تصديقًا وتفصيلًا منتفيًا عنه الريب، كائنًا من رب العالمين.
قال الزمخشري: ويجوز أن يراد ولكن كان تصديقًا من رب العالمين وتفصيلًا منه في ذلك، فيكون من رب العالمين متعلقًا بتصديق وتفصيل، ويكون لا ريب فيه اعتراضًا كما تقول: زيد لا شك فيه كريم انتهى.
فقوله: فيكون من رب العالمين متعلقًا بتصديق وتفصيل، إنما يعني من جهة المعنى، وأما من جهة الإعراب فلا يكون إلا متعلقًا بأحدهما، ويكون من باب الأعمال وانتفاء الريب عنه على ما بيَّن في البقرة في قوله: {ذلك الكتاب لا ريب فيه} وجمع بينه وبين قوله: {وإن كنتم في ريب مما نزلنا}. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآَنُ} شروعٌ في بيان ردِّهم للقرآن الكريم إثرَ بيانِ ردهم للأدلة العقليةِ المندرجةِ في تضاعيفه، أي وما صح وما استقام أن يكون هذا القرآنُ المشحونُ بفنون الهداياتِ المستوجبةِ للاتّباع التي من جملتها هاتيك الحججُ البينةُ الناطقةُ بحقية التوحيدِ وبطلان الشرك {أَنٍ يُفْتَرَى مِن دُونِ الله} أي افتراءً من الخلق أي مفترىً منهم سُمّي بالمصدر مبالغة {ولكن تَصْدِيقَ الذي بَيْنَ يَدَيْهِ} من الكتب الإلهية المشهودِ على صدقها أي مصدّقًا لها كيف لا وهو لكونه معجزًا دونها عيارٌ عليها شاهدٌ بصحتها، ونصبُه بأنه خبرُ كان مقدرًا وقد جوّز كونُه علةً لفعل محذوفٍ تقديرُه لكن أنزله الله تصديقَ الخ وقرئ بالرفع على تقدير المبتدإ أي ولكن هو تصديقُ الخ {وَتَفْصِيلَ الكتاب} عطفٌ عليه نصبًا ورفعًا أي وتفصيلَ ما كُتب وأثبت من الحقائق والشرائع {لاَ رَيْبَ فِيهِ} خبرٌ ثالثٌ داخلٌ في حكم الاستدراكِ أي منتفيًا عنه الريبُ أو حالٌ من الكتاب وإن كان مضافًا إليه فإنه مفعولٌ في المعنى أو استئنافٌ لا محلَّ له من الإعراب {مِن رَّبّ العالمين} خبرٌ آخرُ أي كائنًا من رب العالمين، أو متعلقٌ بتصديق أو بتفصيل أو بالفعل المعللِ بهما، و{لا ريب فيه} اعتراضٌ كما في قولك: زيد لا شك فيه كريمٌ أو حالٌ من الكتاب أو من الضمير في فيه، ومساقُ الآية الكريمةِ بعد المنعِ عن اتباع الظنِّ لبيان ما يجب اتباعُه. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآَنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ} شروع في بيان حالهم من القرآن إثر بيان حالهم مع الأدلة المندرجة في تضاعيفه أو استئناف لبيان ما يجب اتباعه والبرهان عليه غب المنع مع اتباع الظن، وقيل: إنه متعلق بما قصه الله تعالى من قولهم: {ائت بِقُرْ إن غَيْرِ هذا} [يونس: 15] وقيل: بقوله سبحانه: {وَيَقُولُونَ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ ءايَةٌ مّن رَّبّهِ} [يونس: 20] الخ ولا يخفى ما في ذلك من البعد {وَكَانَ} هنا ناقصة عند كثير من الكاملين {وهذا} اسمها {والقرءان} نعت له أو عطف بيان {وَأَنْ يَفْتَرِى} بتأويل المصدر أي افتراء خبر {كَانَ} وهو في تأويل المفعول أي مفترى كما ذكره ابن هشام في قاعدة أن اللفظ بد يكون على تقدير وذلك المقدر على تقدير آخر، ومنه قوله:
لعمرك ما الفتيان أن تنبت اللحى

وذهب بعض المعربين أن {مَا كَانَ} بمعنى ما صح وأن في الكلام لا ما مقدرة لتأكيد النفي، والأصل ما كان هذا القرآن لأن يفتري كقوله تعالى: {وَمَا كَانَ المؤمنين لِيَنفِرُواْ كَافَّةً} [التوبة: 122] {وَأَنْ يَفْتَرِى} خبر كان {وَمِن دُونِهِمَا الله} خبر ثان وهو بيان للأول، أي ما صح ولا استقام أن يكون هذا القرآن المشحون بفنون الهدايات المستوجبة للاتباع التي حمن جملتها هاتيك الحجج البينة الناطقة بحقية التوحيد وبطلان الشرك صادرًا من غير الله تعالى كيف كان، وقيل عليه ما قيل لكنه لا ينبغي العدول عما قاله في محل {مِن دُونِ الله} وما ذكر في حاصل المعنى أمر مقبول كمالا يخفى، وجوز البدر الدماميني أن تكون {كَانَ} تامة {وَأَنْ يَفْتَرِى} بدل اشتمال من {هذا القرءان} وتعقب بأنه لا يحسن قطعًا لأن ما وجد القرآن يوهم من أول الأمر نفي وجوده وأيضًا لابد من الملابسة بين البدل والمبدل منه في بدل الاشتمال فيلزم أن يبتني الكلام على الملابسة بين القرآن العظيم والافتراء وفي التزام كل ما ترى، وأجيب عن ذلك بما لا أراه مثبتًا للحسن أصلًا، واقتصر بعضهم على اعتبار المصدر من غير تأويله باسم المفعول اعتبارًا للمبالغة على حد ما قيل في زيد عدل، والظاهر عندي أن المبالغة حينئذٍ راجعة إلى النفي نظير ما قيل في قوله تعالى: {وَمَا رَبُّكَ بظلام لّلْعَبِيدِ} [آل عمران: 182] لا أن النفي راجع إلى المبالغة كما لا يخفى، ومن هنا يعلم ما في قول بعض المحققين: إن قول الزمخشري في بيان معنى الآية: وما صح وما استقام وكان محالًا أن يكون مثله في علو أمره وإعجازه مفترى ربما يشعر بأنه على حذف اللام إذ مجرد توسيط كان لا يفيد ذلك والتعبير بالمصدر لا تعلق له بتأكيد معنى النفي من النظر، ثم إنهم فيما رأينا لم يعتبروا المصدر هنا إلا نكرة، والمشهور اتفاق النحاة على أن أن والفعل المؤول بالمصدر معرفة ولذلك لا يخبر به عن النكرة، وكأنه مبني على ما قاله ابن جني في الخاطريات من أنه يكون نكرة وذكر أنه عرضه على أبي علي فارتضاه.